هدأت الساحة الشيعية في العراق نسبياً، بعد أن حسمت طهران المنافسات لمصلحتها بوصول محمد السوداني الى السلطة، لكنّ المدن ذات الغالبية السنيّة تعيش هذه الأيام سجالاً وانقساماً حاداً حول مصير رئيس البرلمان (السنّي) محمد الحلبوسي، حيث يقول منافسوه إنه من حقبة الرئيس السابق برهم صالح ورئيسَي الوزراء عادل عبدالمهدي ومصطفى الكاظمي، وجميعهم غادروا مناصبهم، فلماذا يصمد الحلبوسي في موقعه؟ وتتداول الأوساط السياسية في بغداد سيناريوهات حول مدى قدرة رئيس البرلمان على خوض مواجهة مع خصومه في المناطق السنيّة، لا لضعف في نفوذه أو نقص في حلفائه، بل لأن المؤشرات تقول إن حلفاء طهران لن يقبلوا بزعيم سنّي ينجح في مضاعفة قوته وعلاقاته الداخلية والخارجية، فالقاعدة التي وضعتها طهران وحلفاؤها منذ الانسحاب الأميركي من العراق أواخر عام 2011، هي وضع قيود على طموحات الساسة السنّة، لذلك تعرّضت أبرز الزعامات في تلك الفترة إلى ملاحقات وأحكام وصلت حد الإعدام، كما حصل مع نائب رئيس الجمهورية الأسبق طارق الهاشمي. وبدأ خصوم الحلبوسي بشنّ حملات انتقاد شديدة ضده، إلى درجة أنه جنّد أتباعه لخوض مواجهة لا تزال متواصلة منذ عدة أيام في تكريت (مسقط رأس الدكتاتور صدام حسين). ويحظى خصوم الحلبوسي بدعم من عدد من الفصائل الحليفة لطهران، التي تتذكر أنه وقف إلى جانب مقتدى الصدر ضد طموحات طهران طوال 10 أشهر، قبل أن ينسحب الصدر من البرلمان. لكنّ النقاش الأخطر يتجاوز إمكانية سحب الثقة من الحلبوسي وخسارته منصبه، إذ تقول الأوساط السياسية إن الأمر سيتعدى ذلك، لأن خصومه يريدون تصفيته سياسياً، حيث يتعذر عليه العودة إلى المنافسة في أي انتخابات مقبلة، وهو مصير واجه أبرز القادة السنّة طوال 20 عاماً مضت، مثل وزير المالية رافع العيساوي والأخوين أثيل وأسامة النجيفي في الموصل وبغداد، وكذلك نائب رئيس الوزراء صالح المطلك، إذ كلما برزت زعامة سنية جرى الالتفاف عليها و»اختراع» زعامة أخرى تملأ الفراغ بعض الوقت، لتجري محاصرتها لاحقاً.
وتقول الأوساط السياسية، إن الحلبوسي نفسه جاء ليملأ فراغا تركه زعامات قررت إيران إقصاءها من الحياة السياسية، وحان الوقت ليواجه طريقة العمل ذاتها. وتبدو الأمور الآن أسهل على حلفاء طهران، فقد صمموا طريقة لإقصاء مصطفى الكاظمي وفريقه من الحياة السياسية إلى أجل غير معلوم، حين أصدروا أوامر استقدام ومذكرات توقيف لأبرز الشخصيات في فريق الكاظمي، بمزاعم ارتباطهم بعملية اختلاس كبيرة عرفت محليا ب «سرقة القرن»، حين جرى التلاعب المصرفي بنحو 3 مليارات دولار من أمانات وودائع الشركات النفطية الكبرى في العراق. ويؤكد مصدر مسؤول في بغداد، في تصريح ل «الجريدة»، أن مقربين من الحلبوسي يمكن أن يجري إدخالهم في دائرة الاتهامات الجاهزة ذاتها، حيث يجري إجباره على التخلي عن أي طموح سياسي لاحقاً. ويضيف المصدر أن الحلبوسي حاله حال آل النجيفي «ليس قليل الحيلة، ولديه جمهور شاب ومشاريع كبيرة اقتصادية وسياسية، لذلك فإن حلفاء طهران لن يتساهلوا معه، إلا إذا حصل تدخّل إقليمي رفيع». لكنّ فراغ منصب الحلبوسي لا يمكن معالجته فور خلق بديل عادي، لأن الأمر يتعلق باحتمالات انهيار كتلته السياسية وانقسامها، مما يعني خريطة جديدة معقدة للفضاء السنّي، في توقيت سياسي هو الأصعب في العراق.