هل الغرب بدأ يندم على ترك النفط الروسي «الرخيص» للصين والهند؟
«هذه سلعة مهمة جداً للجميع، ولن نعدم أن نجد من يشتريها، ولذلك لا داعي للقلق»… هذا ما قاله رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين في أعقاب فرض الاتحاد الأوروبي حظره التدريجي على النفط الروسي نهاية شهر مايو المنصرم.
وحينها قال «ميشوستين»، إن بلاده ستبدأ ببيع النفط للبلدان الصديقة، متعهداً بمنحها إياه بـ«أي سعر» تقديراً لمساندة تلك الدول لموسكو وعدم انضمامها لجهود محاصرة روسيا اقتصادياً.
كميات قياسية
وبالفعل، كشفت تقارير أن الصين والهند تستوردان النفط الروسي بـ«كميات قياسية» وبتخفيضات كبيرة، واللافت أن التقارير تتحدث عن نمو مطرد في الصادرات الروسية النفطية إلى الصين من شهر يناير الماضي، أي من قبل بدء الحرب الأوكرانية بما يشير لتحوط روسي من العقوبات الأوروبية قبل إقرارها بفترة طويلة بل وقبل بدء النزاع.
وحصلت الصين على النفط الروسي في مايو بسعر 93 دولاراً للبرميل في المتوسط وهو ما يقل كثيراً عن متوسط سعر البرميل في السوق، ويقدر الخبراء الفارق عن سعر السوق العالمي بحوالي عشرين دولاراً خلال الشهر الماضي.
أما الهند فحصلت على النفط الروسي بتخفيضات سعرية «غير معروفة» وفقاً لشبكة «سي.إن.بي.سي» والتي تشير لمستوى سعري متوسط حول 85 دولاراً للبرميل بينما أشارت تقارير أخرى إلى مستوى لا يزيد على 80 دولاراً للبرميل.
وأظهرت بيانات المصدرين الروس أن ثلث صادرات روسيا النفطية تذهب حالياً بالفعل إلى الصين، وأن تلك النسبة آخذة في التنامي بشكل مطرد، وسط توقعات باحتمال حصول الصين على غالبية الصادرات الروسية حال تفعيل العقوبات الأوروبية على روسيا بشكل كامل.
فالسوق العالمي للنفط سيفقد قرابة 3 ملايين برميل للنفط، إذا لم تجد موسكو مشترٍ لنفطها إذا نفذت أوروبا تعهداتها بالحظر التدريجي على النفط الروسي حتى نهاية العام، لذلك يبدو أن الصين عازمة على الحصول على ما تفقده أوروبا من النفط الروسي.
الغرب يستخدم الاحتياطيات والصين تراكمها
والشاهد أن هذا سيشكل تحولاً كبيراً جداً في سوق النفط الأوروبي والآسيوي، إذ تشير البيانات الرسمية الصينية إلى ارتفاع مطرد لواردات الصين من النفط الروسي وصل إلى نسبة 55% على أساس سنوي في مايو الماضي، حتى أن روسيا أصبحت المورد الأول للنفط إلى الصين.
واللافت للأمر أن الصين لم تقلص مشترياتها من مورديها الآخرين، وسط تقارير تتحدث عن عمليات تخزين واسعة للنفط من قبل بكين، وهو الأمر المثير للانتباه أنه في الوقت الذي استخدمت فيه الدول الغربية احتياطياتها النفطية لمحاولة خفض أسعار الوقود تقوم بكين بتعزيز تلك الاحتياطيات.
وبشكل عام ارتفعت الصادرات الروسية إلى الصين 80% على أساس سنوي في مايو الماضي لتصل قيمتها إلى 10.3 مليارات دولار، بما جعل أعضاء في الكونغرس الأميركي يتهمون بكين بدعم المجهود الحربي الروسي من خلال زيادة استثنائية في المشتريات من موسكو ويدعون لفرض عقوبات على الصين بسبب هذا.
الهند أيضاً
أما الهند، وهي ثالث أكبر مستهلك في العالم للنفط بعد الولايات المتحدة والصين، و80% من احتياجاتها مستوردة، فقد رفعت مشترياتها من النفط الروسي بشكل لافت جداً، حتى أن روسيا التي كانت تحتل المرتبة السابعة في قائمة مصدري النفط للهند في 2021 أصبحت في المرتبة الثانية خلال الشهرين الأخيرين.
ووفقا لـ«وول ستريت جورنال» فقد طلبت الحكومة الهندية من شركاتها النفطية «تحميل» النفط الروسي «قدر استطاعتها»، في محاولة لاستغلال تدني سعره مقارنة بالسعر العالمي للسوق من جهة، وللحيلولة دون انهيار الاقتصاد الروسي من جهة أخرى.
وعلى ذلك ازدادت واردات الهند من البترول الصيني من 60 ألف برميل يومياً في المتوسط خلال عام 2021 إلى 740 ألف برميل يومياً خلال شهر مايو الماضي، في نمو يزيد على 1100% يخص الصادرات الروسية النفطية للهند.
وفي الوقت الذي تتجه فيه صادرات روسيا النفطية لآسيا وتحديدا الهند والصين للنمو المطرد، تتجه واردات أوروبا من الوقود من دول الشرق الأوسط خلال يونيو الجاري إلى تسجيل أعلى مستوى لها منذ 20 شهراً بما يؤكد اتجاه العالم أجمع نحو هيكل جديد للنفط.
وكان لافتاً مع ذلك تصريح وزيرة الخزانة الأميركية «جانيت يلين» بأنه يمكن اللجوء لوضع «سقف سعري» للنفط الروسي بحيث يتم شراء البرميل بسعر أقصى يتم تحديده، وهي ما تبدو محاولة – لن تكون ناجعة أو ممكنة غالبا- لتقييد ما تحصل عليه موسكو من إيرادات النفط.
وتسعى «يلين» في نفس الوقت لعمل «مخرج» لأوروبا من احتمال فشلها في إنهاء الاعتماد على النفط الروسي، في ظل ما تشاهده من تمتع الصين والهند بالحصول على نفط روسي رخيص نسبيا واضطرار الغرب لشرائه بأسعار أعلى كثيراً.